خطط الاتحاد الأوروبي للتحكم في الدردشة: حماية للأطفال أم انتهاك للخصوصية؟
19.10.2025, 09:00
رفة الأخبار الأوروبية (إي إن آر)
بروكسل 19 أكتوبر/تشرين الاول (د ب أ/إي إن آر) – ثمة إجماع بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على ضرورة حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي، ولكن لا يزال هناك انقسام عميق بين هذه الدول على خطة المفوضية الأوروبية بشأن مكافحة المواد الإباحية المسيئة للأطفال، المنتشرة على الإنترنت.
ويبدو أن قانون الاتحاد الأوروبي المقترح، لـ"منع ومكافحة الاعتداء الجنسي على الأطفال"- والذي عادة ما يشار إليه بقانون الاستغلال الجنسي للأطفال، أو "التحكم في الدردشة" – قد وصل إلى طريق مسدود في مرحلة تشريعية حاسمة، بسبب المخاوف من أنه قد ينتهك الخصوصية الرقمية.
ويهدف القانون إلى وضع إطار قانوني موحد يغطي أنحاء الاتحاد الأوروبي لرصد مواد الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت، والإبلاغ عنها وإزالتها، ليحل محل التدابير المؤقتة الحالية التي تسمح لمقدمي الخدمات بالكشف الطوعي عن هذه المواد.
وكشف تقرير صادر عن "مؤسسة مراقبة الإنترنت" – مقرها المملكة المتحدة- أن خوادم داخل الاتحاد الأوروبي استضافت 62% من المواد الإباحية للأطفال، التي تم تحديدها دوليا العام الماضي.
ويؤكد مؤيدو القانون المقترح أن استغلال الأطفال جنسيا جريمة خطيرة للغاية، ويشيرون إلى أن سلطات حماية البيانات ستُراقب تنفيذه عن كثب، وأبرزوا النجاحات التي تحققت خلال السنوات الماضية في ضبط الجناة من خلال الكشف الطوعي عن المواد المسيئة.
ويتعين موافقة البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء على القانون، وهنا تكمن المشكلة.
ورغم عدة محاولات على مدار السنوات الأخيرة، لم تنجح العواصم الأوروبية الـ27 في التوصل إلى اتفاق. وجرت آخر تلك المحاولات الأسبوع الماضي، من قبل الدنمارك- الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي- ولكن عنصر "التحكم في الدردشة" ظل نقطة خلاف رئيسية.
وأعلنت الرئاسة الدنماركية الدورية للتكتل، يوم الاثنين الماضي، أنها لم تتمكن بعد من حشد الدعم اللازم لإجراء تصويت من قبل الدول الأعضاء.
وقال وزير العدل الدنماركي بيتر هوميلجارد: "لهذا السبب، خلصنا إلى أن من الأفضل مواصلة المناقشات خلال الأسابيع المقبلة على مستوى ثنائي بين الدول والأطراف المختلفة في محاولة للتوصل إلى تسوية"، مشيرا إلى أن الدنمارك قدمت مقترحا جديدا للتوصل إلى تسوية.
ما الذي ينطوي عليه القانون؟
طرحت المفوضية الأوروبية القانون، لأول مرة في عام 2022.
وبحسب المقترح، يتحمل مزودو الخدمات عبر الإنترنت – بما في ذلك تطبيقات الدردشة وشبكات التواصل الاجتماعي وخدمات تخزين البيانات – التزاما قانونيا بالبحث في محتوى الرسائل والملفات المخزنة باستخدام خوارزميات.
ويتعين عليهم إخطار السلطات المعنية بأي مواد تتعلق بالاستغلال الجنسي للأطفال أو إساءة معاملة القُصَّر، وإزالتها من منصاتهم.
وكان الاقتراح الأصلي للمفوضية يلزم مزودي الخدمات بإزالة جميع الرسائل الخاصة المشفرة وغير المشفرة لرصد المواد الإباحية للأطفال. وفي المقابل، اقترح البرلمان الأوروبي تعديلات لحماية التشفير، بحيث تقتصر عمليات الإزالة على المحتوى العام، مع إلزام الخدمات عبر الإنترنت بتضمين خصائص مدمجة لحماية الأطفال.
ما الذي كان يفترض أن يحدث؟
منذ تبنى البرلمان الأوروبي موقفه في عام 2023، حاولت الدول الأعضاء مرارا التوصل إلى اتفاق، دون أن تفلح في ذلك.
وتم تمديد القواعد المؤقتة التي تسمح بالكشف الطوعي عن مواد الاستغلال الجنسي للأطفال حتى أبريل/نيسان 2026 لضمان الاستمرارية أثناء العمل في القانون الدائم.
وتشمل التسوية الجديدة التي اقترحتها الدنمارك عدة ضمانات، تشمل: أولا، لن تخضع للمسح سوى الصور والروابط – وليس الرسائل النصية. وثانيا، لن يتم تفعيل النظام إلا بعد صدور قرار من سلطة قضائية أو إدارية مستقلة.
وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، ماركوس لاميرت: "علينا أن نتسم بالوضوح التام: بمقتضى هذا الاقتراح، لن تكون هناك أي مراقبة عامة للاتصالات عبر الإنترنت. لن يكون هناك شيء اسمه /التحكم في الدردشة/... يتعلق الأمر بحماية أطفالنا من جريمة مروعة تتزايد عبر الإنترنت."
وكان من المقرر أن تصوت الدول الأعضاء على الاقتراح يوم الثلاثاء الماضي، تمهيدا لإطلاق مفاوضات مع البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية مطلع العام المقبل. ولكن مع غياب التسوية، عادت المفاوضات مُجددا إلى العواصم الأوروبية.
أين تكمن المشكلة؟
إلى جانب بعض الدول، واجه الاقتراح معارضة واسعة من سلطات إنفاذ القانون، وهيئات حماية البيانات، ومنظمات المجتمع المدني، وشركات التكنولوجيا الكبرى التي تقدم خدمات المراسلة. كما انقسمت منظمات حماية الأطفال بين مؤيد ومعارض.
ويكمن أبرز المخاوف في أن التشريع قد يفتح الباب أمام مراقبة جماعية واسعة النطاق.
وقالت وزيرة العدل الألمانية، شتيفاني هوبيج: "يجب أن تكون مراقبة الدردشات بلا مبرر أمرا محرما في أي دولة دستورية".
وأغرق معارضو المقترح مسؤولي الاتحاد الأوروبي برسائل تهدف إلى التأثير على النقاش كجزء من حملة.
ووصفت منصة إكس )تويتر سابقا)، والتي تعود للملياردير إيلون ماسك، الاقتراح بأنه "خطير"، ودعت ألمانيا وبولندا – من أكثر الدول انتقادا للمقترح – إلى مواصلة معارضته لتجنب "الرقابة الجماعية لمواطني البلدين من قبل الحكومات، والانتهاكات الخطيرة لأمن المستخدمين من جانب جهات خبيثة."
كما هاجم تطبيق "سيجنال" الاقتراح ووصفه بأنه "نهاية الحق في الخصوصية في أوروبا"، وهدد بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي إذا تم إقراره.
وقالت شركة "ميتا"، المالكة لتطبيق واتساب، إن الاقتراح يهدد الخصوصية والحرية والأمن الرقمي.
وشدد وزير العدل الدنماركي هوميلجارد في مؤتمر صحفي يوم الاثنين الماضي على أن كثيرا من "السرديات بنيت على فكرة أن مؤسسات الاتحاد أو حتى الهيئات الوطنية ستكون قادرة على مراقبة المحادثات الخاصة، وهذا غير صحيح".
وأوضح الوزير أن الهدف، بدلا من ذلك، هو إلزام الشركات والمنصات الخاصة بـ "تحمل مسؤوليتها للحد من الانتشار الواسع لمواد الاعتداء الجنسي على الأطفال".
برلين تقول "لا"
يستند جزء كبير من رد الفعل إزاء القانون المقترح على موقف ألمانيا، فبدون تصويت برلين بالموافقة، لن يحقق المشروع الأغلبية المطلوبة، وفقا لقواعد التصويت بالأغلبية المؤهلة في الاتحاد الأوروبي.
يشار إلى أن اعتماد المقترح يتطلب موافقة 15 من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، تمثل مجتمعة ما لا يقل عن 65% من سكان التكتل.
وتعارض أحزاب الائتلاف الحاكم في ألمانيا أي مراقبة عشوائية للمحادثات.
وقال ينس شبان، زعيم الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي المسيحي: " يشبه هذا فتح كل الرسائل الورقية كإجراء احترازي لمعرفة ما إذا كان بها شيء غير قانوني. هذا أمر غير مقبول، ولن نسمح به."
كما أعلنت وزارة الشؤون الرقمية في بولندا معارضتها للمسح الجماعي للمراسلات الخاصة، مع تأكيدها دعمها لاتخاذ الاتحاد الأوروبي إجراءات فعالة ضد مواد الاستغلال الجنسي للأطفال.
وشدد نواب في بولندا على ضرورة الحفاظ على توازن بين مكافحة نشر هذه المواد وحماية الحقوق الأساسية للمستخدمين، بما في ذلك الحق في الخصوصية والأمن الرقمي، وحماية سلامة التشفير من طرف إلى طرف.
أما جمهورية التشيك، التي كانت تعتزم في البداية الامتناع عن التصويت، فقد شددت موقفها. وقال رئيس الوزراء بيتر فيالا في سبتمبر/أيلول الماضي: "اعتقد أنه يجب علينا أن نحمي خصوصية كل مواطن وحريته."
كما أعربت سلوفينيا والبرتغال عن معارضتهما للاقتراح بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية.
وفي المقابل، تدعم إسبانيا مقترح التسوية الأخير، وتؤكد أن ضحايا الجرائم بحاجة إلى إجابات.
وأعربت مدريد عن قلقها إزاء البيانات التي تشير إلى تزايد المحتوى المسيء للأطفال على الإنترنت، وأكدت الحاجة إلى أدوات إضافية لمكافحته، مع وجود ضمانات كافية، واحترام الحقوق الأساسية.
وتقف فرنسا والدنمارك والسويد ضمن صفوف المؤيدين، أو المترددين، إزاء المقترح، بينما لم تحدد حكومة بلجيكا موقفها بعد. وخلال مناقشة في البرلمان البلجيكي الأسبوع الماضي، لم يظهر أي حزب تأييدا صريحا.
وقال وزير الداخلية برنار كوانتان: "يتعين أن يكون الحل متوازنا ومتناسبا."
ومع استمرار النقاش، يحذر نشطاء حماية الأطفال من استمرار الخطر.
ووفقا لمنظمة "يورو تشايلد" المعنية بحقوق الطفل، عثر على أكثر من 100 مليون صورة، أو مقطع فيديو، يظهر فيها أطفال وهم يتعرضون للاعتداء الجنسي على الإنترنت في عام 2023 وحده – أي ما يعادل حوالي 270 ألفا يوميا.