تضامن قوي من الاتحاد الأوروبي مع بولندا بعد انتهاك المُسيرات الروسية أجواء البلاد
14.09.2025, 12:00
(من مُراسلي غرفة الأخبار الأوروبية (إي إن آر)
بروكسل 14 سبتمبر/أيلول (د ب أ/إي إن آر) – أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، يوم الأربعاء الماضي، أن الاتحاد الأوروبي يريد تعزيز الحماية على حدوده مع روسيا، وذلك بعد ساعات من إعلان وارسو إسقاط ما لا يقل عن ثلاث مسيرات روسية اخترقت المجال الجوي لبولندا.
وأثارت الحادثة مخاوف من تصعيد الحرب في أوكرانيا.
وقالت فون دير لاين في خطاب مهم أمام البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورج: "ليس هناك شك في أن الجناح الشرقي لأوروبا يحمي القارة برمتها... من بحر البلطيق إلى البحر الأسود. ولهذا السبب، علينا الاستثمارفي دعمه من خلال آلية /مراقبة الجناح الشرقي/."
ولا يزال هذا المفهوم في مرحلة مبكرة، ولم يتم بعد نشر أي خطة رسمية بشأنه.
ووصفت فون دير لاين المبادرة بأنها خطة لتعزيز حماية دول الاتحاد الأوروبي المجاورة لروسيا: فنلندا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، وبولندا – عبر الاستثمار في مراقبة فضائية آنية و/جدار من الطائرات المسيرة."
كما أعلنت رئيس المفوضية عن "تحالف المسيرات" مع أوكرانيا، وهاجمت روسيا، بسبب "انتهاك متهور وغير مسبوق لأجواء بولندا وأوروبا".
ماذا حدث في بولندا؟
رغم أن خطاب حالة الاتحاد الذي ألقته فون دير لاين كان مقررا منذ فترة طويلة، فقد جاء بعد ساعات من اختراق المسيرات الروسية المجال الجوي لبولندا 19 مرة- وجرى إسقاط ثلاث منها على الأقل، بحسب ما ذكره رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، بعدما أطلقت وارسو وحلفاؤها مقاتلات اعتراضية.
ولم ترد تقارير عن وقوع إصابات.
واخترقت المسيرات والصواريخ الروسية أجواء دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبينها بولندا، عدة مرات منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، ولكن لم يحدث أن حاولت دولة عضو في التحالف العسكري إسقاطها.
وقال توسك إنه قام بتفعيل المادة الرابعة من ميثاق حلف الأطلسي، والتي تتيح لأي دولة عضو الدعوة لاجتماعات عاجلة حال شعرت أن "سلامة أراضيها أو استقلالها السياسي أو أمنها" في خطر.
ولم يتم تفعيل هذه المادة سوى ثماني مرات منذ تأسيس الحلف في عام 1949.
وأضاف توسك أمام برلمان بلاده: "هذا الوضع... يقربنا أكثر من أي وقت مضى من صراع مفتوح منذ الحرب العالمية الثانية"، ولكنه أكد في الوقت نفسه: "لا يوجد سبب اليوم يدفعنا للقول إننا في حالة حرب."
ونفت روسيا أي مسؤولية لها عن انتهاك الأجواء البولندية، وذكرت وزارة الدفاع الروسية عبر تطبيق "تيليجرام" أنه "لم تكن هناك أي خطط لاستهداف بنية تحتية في بولندا."
كيف كان رد فعل بقية أوروبا؟
واصطف زعماء الاتحاد الأوروبي إلى جانب بولندا عقب حادثة المسيرات الروسية.
وقال الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا: "حادثة المسيرات في بولندا جد خطيرة...نسير على حافة قد تنزلق بنا إلى هاوية من العنف الخارج عن السيطرة." وشبه الرئيس الأجواء السائدة خلال الأسابيع الأخيرة بتلك التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى.
وأعربت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني عن "تضامن كامل مع بولندا إزاء الانتهاك الروسي الخطير، وغير المقبول لأجواء بولندا والناتو".
كما أدان رئيس الوزراء التشيكي بيتر فيالا روسيا، وانتقد من يتهمون الناتو بالتصرف على نحو عدواني، أو يعارضون تعزيز وضعه الدفاعي.
وقال فيالا: "ليس هذا موقفا سياسيا، بل هو يخدم الدعاية الروسية"، ودعا كافة القوى السياسية إلى إدانة الحادثة.
أما وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، فقد تبنى خطابا أكثر حذرا، إذ وصف انتهاك الطائرات الروسية لأجواء بولندا بأنه "صارخ" ويستدعي "الصرامة اللازمة"، لكنه حذر، في الوقت نفسه، من التسرع في اتخاذ خطوات تصعيدية.
وكان موقف المستشار الألماني فريدريش ميرتس أكثر مباشرة، إذ اتهم روسيا بأنها "عرّضت للخطر حياة البشر في دولة عضو بالناتو والاتحاد الأوروبي"، فيما وصف وزير الدفاع الألماني بوريس بيستريوس، الحادثة بأنها "استفزاز ضد الناتو بأسره."
ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حادثة انتهاك المجال الجوي بأنها "غير مقبولة على الإطلاق".
= واستدعت وزارتا الخارجية في ألمانيا وفرنسا سفيري روسيا لدى برلين وباريس، أمس الأول الجمعة، على خلفية انتهاك المسيرات الروسية المجال الجوي لبولندا. وقالت الخارجية الألمانية إن تصرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "خطير" و"لا يمكن قبوله".
وقال وزير الخارجية الفرنسية بالإنابة جان-نويل بارو، لإذاعة "فرانس إنتر" :"سنقول له إننا لن نسمح بترهيبنا"، مضيفا أنه يتعين على روسيا أن تتوقف عن اختبار صبر الناتو وحلفائه.
وحتى رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان – المعروف بتعاطفه مع بوتين – أعرب عن "تضامن كامل" مع بولندا، لكنه أحجم عن إدانة موسكو.
وعلى نحو مماثل، لم يتطرق رئيس وزراء سلوفاكيا وحليف روسيا، روبرت فيكو، إلى إدانة موسكو، إذ غرد على منصة إكس أن ما حدث "حادث خطير قد يؤدي إلى عواقب بعيدة المدى."
وأضاف: "لذلك من الضروري للغاية تحديد ما إذا كان الحادث متعمدا، أم عرضيا، وتحت سيطرة من جرى تشغيل المسيرات. أُعرب عن تضامني مع بولندا وأعرض التعاون في التوصل لكل الإجابات اللازمة".
أما بلغاريا وسلوفينيا، فقد اتخذتا موقفا أكثر تشددا ضد موسكو.
وقالت وزارة الخارجية البلغارية في بيان: "تشكل التوغلات الروسية المتكررة لأجواء الناتو تهديدا للأمن الأوروأطلسي. ستواجه مثل هذه الأفعال بإجراءات حاسمة لحماية الحلف."
ووصف رئيس وزراء سلوفينيا روبرت جولوب، في منشور على منصة إكس، اختراق المسيرات الروسية الأجواء البولندية بأنه "غير مقبول تمامًا"، وأعرب عن "تضامنه الكامل مع دونالد توسك".
أما الرئيس الروماني نيكوسور دان، فقد ذهب إلى حد التصريح بأن الإجراءات جاهزة "للرد بشكل مماثل" حال وقع مثل هذا الحادث في بلاده.
ماذا بعد؟
فرضت بولندا قيودا على حركة الطيران على طول حدودها الشرقية، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء البولندية (بي أيه بي)، يوم الخميس، نقلا عن متحدث باسم هيئة الطيران.
وأوضح المتحدث أن القيود ستظل سارية على الحدود مع بيلاروس وأوكرانيا حتى يوم 9 ديسمبر/أيلول.
وبمقتضى هذه الخطوة، يُحظر الطيران على ارتفاع يصل إلى 3,000 متر من غروب الشمس حتى شروقها، باستثناء الطائرات العسكرية المصرح لها.
كما أغلقت لاتفيا أجواءها على الحدود مع روسيا وبيلاروس لمدة أسبوع، وأكد وزير الدفاع اللاتفي أندريس سبرودس أنه لا يوجد تهديد مباشر في الوقت الحالي، ولكن الإجراءات الوقائية ضرورية.
يشار إلى أن إغلاق المجال الجوي يُيسر رصد الأجسام الطائرة التي لا تحمل تصريحا.
ويرى الكثير من المحللين أن عمليات التوغل الروسية بالمسيرات تشكل اختبارا متعمدا، إذ اعتبر النائب الألماني والخبير في السياسة الخارجية نوربرت روتجن أن روسيا تختبر صمود الناتو وتحاول ترهيب الحلف بسبب دعمه لأوكرانيا.
وأشارت مسؤولة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية، كايا كالاس، إلى تقييم مماثل، ووصفت الحادثة بأنها "تغيير لقواعد اللعبة"، ويجب أن تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة في أي حزم عقوبات مقبلة على روسيا.
ومن المقرر أن يُعلن الاتحاد الأوروبي عن حزمة العقوبات رقم 19 ضد موسكو في وقت لاحق الشهر الجاري.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين إن التركيز سوف ينصب على تسريع وتيرة التخلص من الاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري الروسي، واستهداف "أسطول الظل" الذي يساعد موسكو في الالتفاف على العقوبات الخاصة بالنفط، والضغط على الدول الثالثة لتشديد الانصياع للعقوبات.
كما أشارت فون دير لاين إلى جهود للإفراج عن الأصول الروسية المجمدة لدى التكتل، للمساعدة في تمويل الجهد الحربي لأوكرانيا.
وفي الوقت نفسه، فإن "تحالف المسيرات"، الجديد، سوف يهدف إلى مواجهة التهديدات الروسية، رغم أنه لم يتم الإعلان سوى عن تفاصيل قليلة بشأنه.
وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية إن التحالف سوف يضمن أن "تعمل المفوضية مع الدول الأعضاء، ومع الجهات الصناعية الأوروبية، وأوكرانيا، بشكل متزايد في قطاع الطائرات المُسيرة لمواصلة دعم أوكرانيا.".
وفي غضون ذلك، تواصل الدول الأوروبية العمل على تعزيز الإنفاق الدفاعي لديها.
وفي مواجهة التهديد الروسي وضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اتفق الحلفاء في الناتو، والأوروبيون على السعي لتطبيق زيادة هائلة في الإنفاق الدفاعي.
وجرى يوم الثلاثاء الماضي، الإعلان عن مخصصات ضمن خطة قروض أوروبية جديدة لتحقيق هذا الهدف.
وتتصدر وارسو القائمة، بالحصول على قروض قيمتها نحو 44 مليار يورو (5ر51 مليار دولار) من برنامج بقيمة 150 مليار يورو، جرى تصميمه لمساعدة الدول الأعضاء على الاقتراض بأسعار فائدة أقل.
وفي المركز الثاني، تأتي رومانيا بواقع 7ر16 مليار يورو، ثم فرنسا والمجر بـ 2ر16مليار يورو لكل منهما، ثم إيطاليا بـ 15 مليار يورو، بحسب أرقام أولية.
ومن المقرر إنفاق هذه الأموال على تعزيز مجالات رئيسية مثل الدفاع الجوي، كما يمكن توجيهها للمساعدة في تسليح أوكرانيا.